تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وعدم تميز البعض على الآخرين
وإذا نظرنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام فإنا نجدهم أقل الناس تكلفاً، وهذه حقيقة عامة في كل شيء، ففي اللباس: إن جاءتهم الثياب من البرد اليمانية لبسوها، وإن جاءتهم الثياب المصرية لبسوها، وإن جاءتهم رومية لبسوها، فإن كان لأحدهم إزار لبسه، وإن كان له حلة لبسها، وإن لم يكن عنده إلا سراويل لبسها، فهم يعيشون بحسب الحال والحاجة، وكلهم مؤمنون، وكلهم أولياء لله عز وجل، ولا يتخصص طائفة منهم عن طائفة بشيء يميزهم ويكون بذلك من أهل مرتبة معينة. وأوضح مثال على ذلك: العسكريون، فيعرف أن هذا نقيب، وهذا عريف بالتميز الظاهر، فلم يكن للصحابة درجات وميزات ظاهرة يعلم بها أن هؤلاء من أهل بدر، وهم أفضل درجة، وهؤلاء من أهل الحديبية، وهم درجة ثانية، وهؤلاء من العرب آخر الناس إيماناً، وإنما كانوا أقل تكلفاً في كل شيء.بل كان الأعرابي كما في صحيح البخاري وغيره يأتي فيدخل إليهم في المسجد وهم جالسون فيقول: أيكم محمد؟! فهو لا يدري أين رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء؛ لأنهم كلهم سواء، ومتقاربون ومتجانسون، وإن اختلفوا في شيء فاختلاف طبيعي، فهذا فتح الله عليه فاشترى بزاً، أو حلة جيدة في نوعها، جيدة شكلها، والآخر لبس السراويل ولم يجد غيرها، أو لبس كساء وحبة من صوف، أو نمرة؛ كوفد مضر الذين جاءوا مجتابي النمار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من سن في الإسلام سنة حسنه.. )، فجاء هذا بنمرة، وهذا بالبجاد، وهذا بصوف، وهذا بقطن، وكل يأتي بما يسر الله له، ولا يدل هذا على ميزة لذلك بهذا عن ذلك.وحصل فيما بعد شيء من التميز الذي قد يكون له نوع من الاعتبار، أو هو قريب من المباح، كما يذكر العلماء: أن القاضي لابد أن يكون متميزاً في لبسه مثلاً؛ حتى لا يطمع فيه الناس، أو يُظن أنه فقير فيرشى، أو غير هذا من الاعتبارات أو الاجتهادات التي رآها الفقهاء.